مصر قاتلة القرود 《رسالة طفل فيلسوف》

ما الذي قد يدفعك كطفل في الخامسة من العمر أن تجلس لساعات أمام قفص القرود؟ ربما لأنها مسلية أو مضحكة ولكن الحقيقة قد تختلف قليلاً في ذهن بعض الأطفال، خاصة وأن طريقة تفكيرهم قد تتسم بعمق أكبر مما تبدو عليه أفكارنا حين نكبر –أو حينما ندّعي ذلك-فأحياناً لا يكبر داخلنا سوى نفس القرد الذي تركناه وراء القفص منذ زمن، ولا تكمن الحقائق إلا خلف سؤال يلقيه طفلُ سارح في ملكوت الله "طفل فيلسوف".


 يا أبت لماذا لم تشتري لي قرداً


لا أعرف أول من سأل "هل الأرض كروية أم مسطحة؟" لكن وعلى الرغم من قراءتي لحوادث عدة تتعلق بهذا السؤال إلا أنني ما زلت مؤمن بأن طفل ما كان يجلس خلف نافذة صغيرة، وسأل نفس السؤال دون أن يسمعه أحد، دون أن يقف على منصة جامعية مرموقة، ودون أن يجيبه أحد على سؤاله، بل لربما تلقى إجابة مثل تلك التي تلقيتها حين سألت أبي وهو يشد ذراعي من أمام قفص القرود "لماذا لا تشتري قرداً في البيت؟!" ابتسم أبي وقال "ولماذا أشتري واحداً وأنت عندي". لم أفهم حينها ما قصده أبي، لكن ومع إصراري عبر سنوات في الوصول إلى قرد في غرفتي فهمت قصده، فقد كان لا ينوي شراء الموز بكميات كبيرة، كما أنه لم يفهم قصدي حين قلت له "القرد كائن ذكي، أنا ممكن أعلمه يلعب معايا، وأكيد ممكن يساعدنا في البيت زي ما كان بيساعد مراته في القفص ويقشر لها الموز!" أصرّ أبي على عدم جدوى وجود قرد في حياتي، وواظبت أنا على أكل الموز بانتظام.

أهمية وجود زرافة حقيقية في منزلك
إن وصلت إلى قراءة هذا السطر فأنت بالتأكيد تعرف ما أهمية وجود الزرافة في منزلك؟ نعم بالضبط، ان رقبتها طويلة جداً وأكيد بردو ممكن تساعدك في البيت! الأمر بسيط للغاية ولذلك لا أعرف لماذا لا يدركه الآخرون بسهولة أو لماذا كنت أفكر دوماً بأن الحيوانات يمكنها أن تساعدنا أكثر من البشر...

مصر قاتلة القرود: جرعة فلسفة زيادة

ولدت في مصر، ولذلك تقريباً لم تكتمل رحلة كفاحي للانضمام إلى عالم القرود. فمع الوقت أدركت أن أبي كان على حق فماذا سيقدم لنا قرد كمساعدة مقابل 3000ج -وهو مبلغ قد يكفي لأكل الكشري فقط طوال شهر كامل، دون تدخين-ولكن ما علينا كان لدى أبي وجهة نظر، وكوّنت أنا وجهة نظر تشبهها، تحديداً حين اعتمدت على نفسي مادياً في الحصول على الكشري، وأيضاً حين أصابتني "لوثة وجهات النظر" أو (جنون الكتب) كما كان يصر أبي قائلاً "الكتب الزيادة في الفلسفة دي هي اللي هتجننك ان شاء الله وهتموت منتحر أو ملحد" ورغم تقدمي في السن إلًا أنني لم أفهم ما يقصده أبي حينها أيضاً، فما علاقة جرعات الثقافة بجرعات الانتحار! واظبت على شراء الكتب، ثم مرَّ زمن وقرأت للكاتب الإسباني "ماريو فارغاس يوسا" كلاماً يشبه ما قاله أبي إلى حد كبير، ولا أعلم إن كانوا أصدقاءً أم أخبره ماريو عبر البريد.

رسالة إلى الفتاة التي تملك كل القرود

كان لابد للطفل وأن يجد من يفهمه، لذا فقد بحث في الغابة لعدة سنوات، من المسؤول هنا عن أحلام القرود...
وجدها صدفة، كانت تبدو نائمة أو متعبة، بملابس ساحرة وجناحين من نور، كانت تلتف حولها القرود في هدوء.
لم يجرؤ الطفل على محاولة الوصول اليها، تشجع ثم ذهب ليشتري كل الموز الذي قد يرضي تلك العشيرة السوداء...
وصل سعر الموزة إلى 2.000.000 جنيه مصري، فابتلع الطفل حلمه، الظروف لا تسمح أحياناً حتى للتعبير عن الأحلام. 
لم ينسى الفيلسوف الحالم أن يرسم فتاته على قشرة موز، خبأها في كتاب، وأصبح يخاف من كل القرود...

ليست هناك تعليقات