مسرحية يوتوبيا : إجازة سعيدة وتحويجة فنية غريبة | دفتر الغائب


كانت تلك هي المرة الأولي التي أرتاد فيها المسرح علي الرغم من نشأتي أصلاً بحيّ الأزبكية "وسط البلد" المشهورة بالمسارح والسينمات منذ بداية دخولها إلى مصر قبل ما يزيد عن قرن. لكن الدنيا تدور، هناك من يشيخون ليصبحوا حكماءاً، أمَا آخرون فقد يغلِبُهُم الخَرَف.. وقد غرقت أغلب العروض المرئية والمسموعة بمصر تدريجياً في مستنقع من "الهذيان الحزونى الحزين" الذي جعلني أرغب عن شاشات (العرض الجمعي العربي) عامة في زمننا هذا، ولكن يبدو أن القدر قد رتب لي خطة أخرى..
إجازة من العمل لمدة "4" أيام متواصلة! –ملاحظة: إن لم تصبك الدهشة فحضرتك غالباً لم تعمل بدوام كامل في وظيفة، هنيئاً لك إن كنت موجوداً بالفعل- المهم أنه حدث، صدرت ورقة مختومة من السيد المدير بمقتضي استحقاقي للإستجمام على حساب الشركة لمدة 4 أيام، وإنشالله ما حد حوّش. لا أعرف كيف أعبر لك عن مدى سعادتى بالموضوع لكن يخفى أن أخبرك بـ(حاولت السفر إلى الإسكندرية ومنعتني محفظتى من عبور بوابات شارعنا من الأساس- قمت بسحب 800ج بالتمام والكمال، ثم وبعد خصم حق (دخان الأجازة) تبقي ما تبقي فرسمت خطة تقتضي المرور بـ معرض الكتاب، إنهاء كل مشاوير حياتى المُؤجلة ثم  قراءة كل الكتب التي تخص كل المجالات التي أحبها، ولم أنسي تحميل خزنة من "التورنت" المدجج بـ"كورسات" في كل مجالات اللغة الإنجليزية، كما أهداني أيضاَ صديق لي لينك تحميل ألبوم Eminem الجديد فوضعته على رأس الخطة.
ما لم يكن بالحسبان أن أجد إشعاراً من ال"فيسبوك" يسألنى هل تريد أن تري مسرحية (يوتوبيا) للكاتب أحمد خالد توفيق؟ رحبتُ بالفكرة عبر الضغط على المناسبة وقراءة تفاصيلها، التي لم تزِد عن أسعار التذاكر وعنوان المسرح (الهوسابير-الأزبكية) وإسم الفرقة (فن محوّج) أعجبني الإسم والفكرة والتوقيت، فحجزت تذكرتي "اونلاين" وتوّكلتُ على الله. ما لفت نظرى وأنا أداعب ورقة التذكرة بعد ان إستلمتها بالفعل هو: كيفية عرض مسرحية مبنية على رواية تحمل طابعاً سياسياً في ذلك الميعاد المدوّن على التذكرة(24 يناير2020) لابُد وأن هناك خطأ ما في القصيدة!
وسرعان ما إكتشفتُ هذا الخطأ، فالمسرح في حالة تصعب على فنانين الشوارع في أيٍ من بلاد الدنيا، كما لايوجد حتي "بوستر" واحد للمسرحية. إشتريتُ قهوة من كافيتريا المسرح، وسارعتُ إلى الدخول فخُدعة أن الكراسي (مُرّقّمة) لا تنطلي إلا على البلهاء ومعدومي الخبرة بما قد آلَت إليه الأمور في صالات العرض مؤخراً، وخاصة في وسط البلد وسياسة (تعالى بدرى) المعروفة. بدأت المسرحية بعد تأخير ربع ساعة تقريباً بعرض صوتى موسيقي ذو خلفية صاخبة، وصوت لشخص يردد -يُغمغم- بعضاً من سطور الرواية في تناسق مع الخلفية الموسيقية، كانت لعبة ماهرة من صانعي المسرحية أو من (المخرج) -الذي سقط سهواً من قائمة فريق العمل بعد إنتهاء العرض وأثناء تحية الجمهور!- أن يتم دمج بعض نصوص الرواية الحقيقية في (تِتْرات البداية) فقد كانت تلك هي الخدعة الأخيرة التي يُمكن أن يقع في شباكها عاشق لكتابات أحمد خالد توفيق، أو قارئاً عادياً مثلي يقارن بين الرواية المكتوبة والمسرحية..  بداية مختلفة تماماً فالكاتب يجلس على مكتب ويحكي روايته (يوتوبيا -فن محوج) لطفلة صغيرة، نشاهده يسألها عن رأيها فيها وهي من تحدد له المسار الأجمل! لا أُنكر أن الأمر لم يكن سخيفاً إلى حد أن أصرخ فيهم بما يدور داخل رأسي "بوظتوا الرواية يا ولاد ال...." ربما براءة الطفلة الجميلة التي تعتبر بطلة رئيسية في العمل هي التي أجبرتني على متابعة ما يحدث من عبثيات ساذجة وصلت إلى تحويل الرواية إلى مسرحية كوميدية! قرأت بعض المسرحيات لكنني لم أشاهد عرضاً مشهوراً واحداً حتي الآن باللغة العربية ولا يندرج تحت قائمة الكوميديا، اللهم إلا مسرحية "الملك لير" والتي منعتنى أسعار تذاكرها الأسطورية من المرور أمام المسرح. ربما جهلاً مني، أو إهمال فى الترويج، وربما هي إشاعة سرية تم نشرها قبل ولادتي، أسطورة نشأت في الوسط المسرحي العربي(المصرى تحديداً) تقول: "الدنيا سيرك ومسرحية، إبسِطوا الجمهور فهم لا يريدون من الفن سوي الضحك!".

ليست هناك تعليقات