حوار مش طويل مع "سيد الدرفيل" جـ1 -دفتر الغائب

"سيد الدرفيل" أعرفه منذ الصف الأول الإبتدائي، كان طيباً وعملاقاً. ولا أظن أننى أطلقت عليه ذلك اللقب لهذه الأسباب. لكنني أذكرُ أننى كنت مبهوراً بموهبته فى لف الكرة على دماغه فى حصة الألعاب بالمدرسة، يشبه عرض الدولفين فى الملاهي. كان الوحيد الذي يستطيع فعلها، والوحيد أيضاً الذي لا يحب لعب كرة القدم فى الفصل! كان يكتفي بأن يبهرنا بنفس الأداة التى نستعملها جميعاً ثم يتركها ويرحل.  أخبرني وهو فى أواخر الأربعينيات من العمر أنه كان يكره أن يخاف منه الأطفال فى الملعب، قال: (كانوا بيخافوا ياخدوا مني الكورة عشان ميتخرشموش لو خبطوا فيا! كنت دايماً حاسس إنى عملاق أكتر من اللزوم، بس أحسن عشان كنت ساعات بشوف زينب..)

-جـ1

زينب وسيد الذي كان

حين كنت أراهم سوياً كنت أتذكر شكل الـ 10 وأبتسم سراً، كان الدرفيل بالنسبة إلى زينب عاموداً يحرس طفلة، أو شجرة تُظلل عصفورة! لا أعرف أين (عشة) زينب الآن، إكتفى سيد حين سألته عنها بقول: (مش لاقيها، متكتبلناش اللُقا) كان مقتضباً وحاداً في أغلب الأوقات. لم تفقد زينب "ساندويتشاً" واحداً بعد أن عرف الطلاب أن "الغويشة البلاستيك" التى ترتديها كانت تخص الدرفيل!

ليل طويل مع صديقي الدرفيل

بالأمس في المساء قابلته فى طريق عودتى إلى المنزل، سلّم عليا بسرعة وكأنني تأخرت على ميعاد ضربته بيننا ثم قال لي: (حد عندك في البيت؟) جاوبته بسرعة: (مش فارقة، كده كده هنطلع الجنَة)
 -الجنّة: غرفتي الصغيرة التى لا يدخلها أحد تقريباً، فأنا أسمح فقط للذين يتفادون دهس الذكريات الصغيرة التى تملؤها بالدخول-
(مالك يا سيد..؟) جاوبني وهو يصب كأساً من زجاجة صغيرة أخرجها من جيبه: (ليه دايماً بنتسأل نفس السؤال مع اننا عمرنا ما عرفنا نجوابه؟! عامة أنا مش حابب اتكلم كتير، أنا عايز بس اديك دى) أخرج وردة بلاستيكية يلتف حولها "غويشة بلاستيك" وبينهما ورقة صغيرة تبدو وكأنها رسالة تمت كتابتها بسرعة! لم يقل شيئاً بعدها لمدة طويلة..
إختار الدرفيل أن يستسلم للجنون فى منزلى. شرب كؤوساً متتالية من تلك الزجاجة الصغيرة الشيطانية التى يحملها، ثم بدأ في الرقص! -تخيل أن تري درفيلاً يرقص أو شبه فيل يحاول الطيران- حاولت أن أختار له الموسيقي المناسبة، ثم تابعتُ خطواته..   حين سمحت لنا الرقصة العشوائية بأن نقترب أكثر، سألته وأنا أشيرُ إلى لفافته: (لكن إنت ماقولتليش مصير الحاجة دى؟)
(إدفنها.) قالها وهو يشيح بوجهه من أمامي ويستمر فى الرقص. فضّلت الصمت وشرعت أفحص محتوي زجاجته، لابُد وأنها تحتوى على "محفزات حركة" تلك التى أصابته بلوثة الجري وراء الألحان! لم أستطع مجاراة حركات الدرفيل على إيقاع نغمات التانجو..

ليست هناك تعليقات