مطلقة بلا واتساب: حدوتة فكيهة والمأمور زكي شمس (ج1)

1divorced-FAKIHA-and-Sheriff-دفتر الغائب


حدوتة فكيهة بدأت مع تعرفنا على الحياة من داخل "نوبتجية" القسم، ثلاثة كنا برتبة ملازم حديثي التخرج، نحمل حقائبنا وندخل مبنى قسم شرطة (البندر) إذ يتولى تدريبنا أحد الزملاء القدامى، من هنا ترى الأمور بشكل مختلف، الأحداث، العلاقات والمشاكل هنا عارية بلا رتوش، خبايا النفس البشرية عن قرب، ليست الجريمة هي كل ما تراه، ولكنها الحياة كلها، وكأن غرفة النوبتجية هي صندوق الدنيا، لكننا لم نعرف فكيهة من داخل الغرفة، ولكن من خارجها، من الحديقة تحديداً...
كان ذلك في عصر يوم حار، كنا نجلس ثلاثتنا (يحيى، فكري، مصطفى) ومعنا الملازم أول (سعيد) والذي عليه تدريبنا في العمل، دلفت إلى الحديقة فتاة ريفية رائعة الجمال، ممشوقة القوام، سوداء الشعر والعينين، ناضرة البشرة، وترتدي ثوباً مشجراً بألوان زاهية زادتها توهجاً! نهض سعيد وتوجه اليها وتبادلا حديثاً هامساً لفترة وجيزة، انصرفت هي بعدها، وعاد سعيد ليتفحصنا مبتسماً "مالكم؟ إتخرستم ليه؟ عمركم ما شفتم واحدة حلوة؟!" لم نرد فاستطرد قائلاً: "بكرة هتعرفوها كويس، بس ما تستعجلوش، فما زلتم جدداً والأعين تراقبكم" انتهى اليوم، والأسئلة تدور عن فكيهة.

أخبار فكيهة: مطلقة بلا واتساب

في اليوم الثاني تعرض (سعيد) لسيل من الإلحاح على معرفة صاحبة الاسم، فتكلم سعيد: فكيهة بنت جميلة من إحدى القرى البعيدة عن البندر، سبق لها الزواج مرتين في سن الخامسة عشر، ثم مضت بها السنوات دون أن تنجب، طافت بها الأم كل أضرحة أهل البيت والمشايخ، وزارت حلقات الزار والنذور والأعمال بلا نتيجة، فطلقها زوجها الأول، لتصبح مطلقة تبحث عن زوج، لتجده فتتزوج ثانية من شاب من أهل البندر على قدر من التعليم، فطاف بها المستشفيات، وعرف أنها لن تنجب الآن، فهناك غشاء على الرحم يمنع الحمل، هو يزول في سنين، لكنه لم ينتظر تلك السنين، وطلقها الثاني لعدم الانجاب لتأخذ لقب مطلقة في البطاقة رسمياً...
هجرت فكيهة قريتها الصغيرة (بني سويف) بعد يأسها من الزواج بعد علم الجميع بعدم أن سرى خبر عقمها بين الجميع، نزلت إلى البندر لدى أحد الخفر من بلدتها، وقد سهل لها هذا الخفير العمل لدى أحد الضباط المتزوجين، فعانت الأمرين من زوجته وأولاده ومنه شخصياً، فقررت ألا تعمل في بيوت المتزوجين وعملت لدى أحد الضباط العزاب، ومن وقتها وهي تنتقل بين بيوت الضباط ووكلاء النيابة غير المتزوجين، لم يكن لديها ما تخاف عليه فهي عاقر، ولا تمنع نفسها فهي شابة قوية فياضة المشاعر، مرغوبة وراغبة أيضاً.

مطلقة بلا واتساب: حدوتة فكيهة والمأمور زكي شمس ج1

زكي (شمس لحظة اللقاء)

تلمسنا أخبار فكيهة من الخفر ومن الضباط على السواء -فلم تكن بنفس شهرة لوسي ابن طنط فكيهة في فيلم إشاعة حب-تكررت مشاهدتنا لها في أروقة القسم، عرفنا أنها تأتي لقضاء حاجات الناس بلا مقابل، تذهب إلى حجرة الحجز بالطعام والسجائر، ورسائل الأهل إلى المحجوزين، ولم يكن شاويش السجن يعترضها ولا حراس البوابة، فهم يعرفونها إنها ذات حظوة عند أغلب الضباط، ثم إنهم يحبونها أيضاً...
وجاءت لحظة اللقاء، دبرها سعيد دون أن يخبرنا، دعانا إلى الغداء يوم عطلتنا فذهبنا إلى منزله وفوجئنا بفكيهة داخل الشقة! إنها أكثر جمالاً عن قرب يخيل إلى أن عينيها تهمسان بشيء، شفتاها مستديرتان وكأنها في وضع قُبلةٍ دائمة، شعرها مجدول إلى ما بعد الظهر، أكلنا طعمها في الطعام ورائحتها، تكلمت فاستمتعنا، غنت فتمايلنا، من النادر أنت تتجمع هذه المؤهلات في أنثى، إنها (كتيبة أنوثة) كما أطلق عليها مصطفي.

لم تكن فكيهة تعمل لدى سعيد ولكنها تعمل لدى أحد معاوني النيابة من أصدقاء سعيد ويتركها في يوم العطلة لسعيد تعد طاولته، تُعد له البيت وتؤنسه! بالطبع طلبنا حق الرعاية أسوة بسعيد، فضحك من لسعة التعبير الذي أطلقه (فكري) قائلاً: "أنا يتيم وعاوز حد يتبناني ويرعاني ولتكن فكيهة".  انتهى اليوم الحافل بعد أن اتفقنا مع فكيهة أن تعمل لدينا بعد سفر معاون النيابة (محمود) والذي نقل إلى طنطا بعد أن صدرت حركة تنقلات الشرطة والنيابة، في نفس الوقت الذي نُقل فيه مأمور القسم إلى القاهرة وحضر مكانه مأمور جديد للقسم (زكي شمس) يا لسوء الحظ! سنعمل مع زكي شمس ونجاوره السكن -سبقته سُمعته، وكثر الكلام عن قسوته وصعوبة التعامل معه-وها قد وصل سيادة المأمور، وحضرنا أول اجتماع يجمع فيه كل ضباط القسم في مكتبه ثم يقول جملة واحدة "أنا زكي شمس، أنا زكي شمس، أنا زكي شمس" لينتهي الاجتماع ونغادر ونحن غير مصدقين أي قدر من الغرور هذا؟!

*ج1 من قصة فكيهة وزكي شمس #حكايات_رمضانية
*مقتبسة من قصة قصيرة بعنوان "فكيهة" للكاتب بهجت فرج Goodreads

ليست هناك تعليقات