إلى الوافدين «لماذا لا تضعون أنفسكم فى حذائنا؟» | دفتر الغائب


السيدات والسادة، الأخوة العرب من الخليج إلى المحيط والأجانب الوافدين من دول العالم الأول والثاني والثالث المتفوق –أهلاً بكم في مصر-لسنا قبائل من البدو البربريين، لا ينتمي أغلبنا إلى طائفة (اللصوص) كما وصل إليكم الخبر، بل ولا يوجد لدينا مدارس لتعليم (النصب والاحتيال) كما أشاع البعض منكم حين زار "أم الدنيا" للمرة الأولى! كل ما في الحكاية أننا أمة كبيرة، مختلفون نسيباً عمن تتشابه ألسنتهم معنا في النطق اللغة العربية، لذا فـ "لا تتعجب للعرب عامتهم، دون أن تُخصص للمصريين وحدهم قائمة للأعاجيب". صفاتنا تتباين حسبما ينشأ كل منا في بيئته الخاصة، لذا فإطلاق أحكام جماعية على شعب يفوق المئة مليون نسمة هو قرار خاطئ تماماً، حتى وإن ظن البعض بأن كل الإشارات تؤدي الي طريق واحد. انتشار الفقر قد لا يعني بالضرورة أن يأكل الناس بعضهم، حتى وإن حدث. والجهل يمكنه فعلاً أن يحوّل بعضنا إلى حيوانات عشوائية، لكنه لن يستطيع أن يصيب كل من يسكنون تلك المساحة الأرضية(مصر) بالتخلف، حتى وإن بدا واضحاً فظهر على التلفاز أو أقيمت له الحفلات!
هل سئمت من قراءة تلك البديهيات؟!  لقد سئمت أنا أيضاً من إعادة تكرارها – نُطقاً وكتابة -بصيغ مختلفة. فحين سألتني أمي "هي الناس حصلّها ايه؟" لم أجيبها بنفس الطريقة التي استخدمتها حين بكي صديقي للمرة الأخيرة أمامي في المطار قائلاً: اديني مسافر دولة عربية بردو، بس تفتكر هتتبهدل زي ما اتبهدلت هنا في بلدي؟! "يمكنك أن تضع نفسك في حذائي الآن" ارتدي قبعتي ثم قل لي عما ستفعله أو ستقوله! "put yourself in my shoes " مصطلح إنجليزي يستخدمونه إذا ما أرادوا التعبير عن صعوبة الاختيار، كـ (ماذا ستفعل لو كنت مكاني) وأظن أن تلك المعلومة معروفة لدي الكثيرين ممن يقرأون تلك السطور. لكن هل كنت تعرف عزيزي أن هناك أغنية صدرت في التسعينيات تحمل نفس العنوان (put yourself in my shoes للمغني الأمريكي المعروف   Clint Black) يمكنك أن تشاهده يغنيها على المسرح عام 1991 على Youtube.

حواديت،دفتر،الغائب

مشاهد من الواقع ورسالة عن الأسى

"اللص" أو "البلطجي" أو هذا الذي يعتدي على حقوق الآخرين بأي شكل كان، شخصية مكروهة ويعتبر نموذجاً مُستنكراً لدي الغالبية العظمى من البشر.  فمثلاً: كادت عيني أن تخرق عين الخاطف الذي حاول أن يسرق موبايلي ويطير بـ"موتوسيكل"، لولا اللطف الخفي الذي صلب يدي على الموبايل وجعلني أدير رأسي لأصطدم بوجهه على بُعد سنتيمترات مني، فيقرر الهرب دون أن يحاول خطفه بقوة أكبر! لا يمكنني أن أتذكر سيل الشتائم الذي أطلقته خلفه، فقد أفرَدتُ في وصفه مُعجماً كاملاً من "البذاءات المصرية الخالصة" التي وبالمناسبة حاول جمع بعضها فيما يشبه المعجم الشاعر والأستاذ (مسعود شومان) المتخصص في مجال (الدراسات الإنسانية-Anthropology) والذي دوّن باللغة المصرية كل ما سمعه من (الشتائم والبذاءات) خلال أكثر من 20 عام، ليصل إلى أكثر من 20.000 شتيمة،للأسف دون أن يرى مشروعه النور حتى الآن!
ولكن هل يسرق اللصوص بعضهم، كيف يعيشون معنا، وهل اندمجنا فعلاً حتى أصبح الغرباء لا يميزون بين لص وشريف، مخلص ومنافق، عالم وأفاك؟! تكاثرت الأسئلة لتتناثر الأفكا، والأفكار كاللعنات تطاردك أينما كنت؛ لذا فإن استدعائي لرسالة أكتبها إلى شخص ما لا يرانا كجزء منفصل ومزيج مختلف عن باقي الكوكب لم يكن مجرد صدفة أو حكمة نزلت على قلبي في لحظة صفاء، وإنما هي حزن أعيشه كمواطن على تلك الأرض في كل صباح، حكاية ميلودرامية ألعب فيها أنا دور العابر في الطرقات ويلعب الوافدون دور المُتعجب أو الناقم المتأفف من حال هو السائد على أرض هذا الوطن.
دعني أحكي لك عن مشهد قد يختزل لك ما تحمله رسالتي من الأسى... عند عبوري من أحد المناطق الراقية بوسط القاهرة سمعت حديثاً يدور بين ثلاثة شباب يبدو من لكنتهم وطريقة ارتدائهم للملابس أنهما سعوديان (وهو ليس حصراً وإنما مجرد مثال حي صادف أن رأبته في تلك المنطقة الراقية بالقاهرة، والتي تعج بالأجانب من العرب والعجم من كل مكان). المهم أن الأول كان يتحدث عن طفل صغير (شحات) تعلق بسياراته ثم أصر ألا ينزل من على الباب إلا بعد أن يعطيه السعودي صدقة بالإجبار! ثم أكمل حكايته محتداً "ولاد الزانية، أربع خمسة بذور بيتنططوا قدام السيارة زي الشياطين منعوني أعدي، والله فكرت أدهسهم!" هذا الكم من القهر الذي شعرت به حين سمعت تلك الجملة لا أعرف كيف تصوغه الكلمات في جمل مفيدة، ولكن دعني أعود بك إلى نقطة البداية؛ فكلنا يمر به أطفال وشيوخ، إناث وذكور يتسولون هنا وهناك، يحكون قصصاً تشيب لها الوجدان في المواصلات العامة والمترو والشوارع.... هل فكرنا يوماً (كمصريين) أنهم كائنات مختلفة عنا وأنهم ربما يستحقون الدهس؟! هل كنت سأقتل هذا اللص الذي حاول سرقة هاتفي؟! الإجابة: بالطبع لا. فببساطة لا تخلو من الإيجاز هؤلاء الذين يقتلون الشوارع بحثاً عن الرزق هم (نحن)، كلنا يرتدي ملابسه التي تخص مكان (أكل العيش) ويدور، هذا يرتدى "بدلة" مدير مطعم يتقاضي100، وهذه ترتدي "بدلة" راقصة وتتقاضى200، هو يرتدي الأسمال ويتسول80، وهؤلاء يرتدون الأقنعة ليسرقوا ال 380 وهكذا... رسالة من أحد مواطني البلد التي جاء منها محمد صلاح "كلنا لا يرتدي قبعة واحدة".

ليست هناك تعليقات