الممنوع في مصر : الباب المرخي ومراسم زواج الكلب الولف - دفتر الغائب


هنا القاهرة.. شارع جامعة الدول العربية، ناصية (البطل أحمد عبدالعزيز) -والذي أظن أنه لو كان حياً، وعلم بمدي الحزن الذي يسببه اسمه لالاف من المارة يومياً؛ لطالبَ بتغيير اسم الشارع على الأقل! - فلا أعتقد أن أحدهم قد يحب جمع كل ذلك الكم من الشتائم يومياً!!-
من أحد"مواقف الميكروباصات الممنوعة" أنقِلُ لكم، أطرد الأحزان بالتفسيرات والحكايا. أحاول مواساة نفسي، وأكتبُ للعجوز الذي صرخ فى الحافلة: ماذا يحدث؟!. فما يحدث أحياناً أن يتحول المكان الذي تركب منه يومياً إلى منطقة (ممنوعة) أو ساحة لتجمع شرطة المرور على اختلاف (الرُتَب) التى تتناسب عكسياً مع عدد الميكروباصات المُتاحة!! وكلمة ممنوعة هُنا لا تعني مخالفة قانون المرور تحديداً -كما يمكن أن يتصور قارئ مريخي،يفهم العربية، ويهوي متابعة ما يكتبه السُذج والهواة- لكن الـ(ممنوع) فى مصر يحمل شكلاً مُختلفاً من أشكال القوانين الإستثنائية، تتعلق بـ(أحكام مرور) أيضاً لكنها تختلف عن تلك التى يتداولها العالم كله. إذ أنها لا تقع تحت أى دستور مُعين، وإنما هى قوانين سريعة التجهيز، يتم تحضيرها فورياً وأثناء التعامل مع الحالة. 
>> جدير بالذكر أن محامي مشهور من مواليد برج التمساح صرح من غرفته بالجناح (أ/صمت)  بأن: أحد الرجال الكبار أخبره في السجن أن لتلك القوانين أصل واحد،وهو كتاب سرى للغاية من باب واحد. لا يحمل بنوداً قانونية وإنما ينُص على هدف واحد، ووسائل عديدة للوصول اليه. تلك الوسائل والمسارات هي المشروحة فى "الباب المرخي" وهو اسم الباب الرئيسي والوحيد.  -كما ذكره المحامي أو كما يزعم المتكلمون-  تدور فكرة كتاب القانون المرخي حول "الإخفاء والتلبيس" وذلك بنشر الممنوعات والمحظورات بشكل عبثي وروتيني مُتكرر! (ضع القوانين لقيطة على الرصيف، ودع للأقوى مهمة وضع السياق المناسب). فى ذلك الإطار تتحق أسطورة الممنوع الهلامي .حين تتداخل المسموحات والممنوعات حسب ميعاد العبور؛ فإن القانون الأوحد هو: (أن تنتظر المُفاجأة) <<
لم يُستدل على أى من مصادر تلك المعلومات. المحامي المشهورظهر كمقدم لبرنامج طبخ فى قناة مغمورة! ثم أُتهم بعدها بقضية "تحريض ضد الدولة" بعد أن تعمد تقطيع البطاطس في برنامجه بشكل (انتقامي)! على الهواء مباشرة، وبعد ساعات من اعلان "الدولة" افتتاح أكبر مشروع حكومي لزراعة "البطاطس الراقية"...


(1)

يوم الأحد، الساعة الرابعة عصراً، وهو ما يسمي بـ(وقت الذروة)، وهو ايضاً قبل ميعاد استلامي "الشيفت المسائي" بنصف ساعة وخصم ربع يوم بالضبط. وقفت أمام الكشك أُنهى سيجارتي وأنا أتابع خناقة الضابط مع السائق بأذنا قطٍ وعينا صقرٍ، تطورا مع الزمن كوني "مصرى وابويا مصرى". وربما يرجع سبب ظهور تلك الطفرات الجينية فى حواس المصريين عامة إلى: حاجة المواطن العادى لحاسة تمكنه من (الإقتناص والفرار) في أغلب مواقفه اليومية! فمثلاً: (محاولة اقتناص أي نوع من المركبات التى قد تصل بك إلى محل لقمة العيش، هي عملية تطورية شرسة. حلبة قتال تتسم بالجنون والقسوة، وهي حتمية فى حياة الغالبية العظمي من الشعب.) و-قد- هنا تفيد الشك فى الوصول فعلاً كما اعتقدت أنت تماماً.. فنحن فى مصر. أما الفرار فهو أن تتفادى الدهس والتقطيع تحت عجلات المركبات ألأخري، أو أن تصل بجميع أطرافك إلى محل لقمة عيشك، فهم لن يلاحظوا سقوط دماغك فى الطريق! وفى مصر لا فرق قد يحدث فعلياً حين تتأخر أو لا تصل إلى محل عملك أصلاً؛ سوي أن يمنعوك من دخوله! وحينها سوف تقضي ليلتك فى الحديقة الأمامية للمؤسسة، أو ربما فى أحسن الظروف ستُكمل ليلتك الأولى مُستمعاً الى كل أغانى "الصاحب الجدع" الشعبية، وأنت تقتسم الفراش مع أحد زملائك القريبين من محل العمل، (محمد البدرى) إسماً -وصفةً- وحالة!  
من المميز أيضاً أن مهارة قنص المواصلات عند المصريين طورت أيضاً نوعاً من الدفاع البديهي، نشأ ليحمي القناصين الصغار من بعضهم البعض. فربما تُلاحظ أن المعارك التى تدور فى محطة الباص تكون بين مجموعتين أو شخصين متشابهين تقريباً. فمثلاً: ستجد أن الرجل العجوز فى الصف لن يسمح بمرور عجوز آخر، حتي وإن وصل الأمر لعراك بالعكازات او سب وقذف المومياوات من عائلة كل منهم! في حين أنه ربما يتجاهل اختراق شاب مفتول العضلات للصف، أو فتاة لها جسم ناعم يسمح لها بالإنزلاق!.

(2)

أخيراً وصلت إلى الميكروباص المنشود. صحيح أننى لم أكن أول الواصلين نظراً لإختلاف المهارات وتطور الحيل، لكن موقعاً كالذي احتله الآن واقفاً بجانب الباب هو حلم أجيال مختلفة من رواد الموقف الكرام. فبرغم الوضعية البهلوانية التى اتخذها، والتى تقتضي أحياناً أن أحذِف نصف طولى لتحمل الضغط، أو أن أُضحي بأحدي قدمي محشورة تحت أقدام النازلين. إلا أنها الوضعية الوحيدة التى تسمح لى بالهروب فى الوقت المُناسب إلى محطتى المرجوّة، تُسهِل عملية القفز إلى الرصيف وتقلل من نسبة المخاطر!! لا أريد المغامرة بالإعتماد على السائق فى مهمة تذَكُر محطتى، كما أننى لن أُحاول إختبار أخلاق سيادته في تفهم موقفى وحاجتى للنزول، سأقفز وحسب.. أعتقد أنه يتعمد أحياناً ترك المحطات! ربما يكُمن سرُ العنجهية في سائقي (حافلة الوطن) أيضاً إلى نشوة القيادة الفردية. السلطة التى تتمثل في أقدار الركاب بين يدي قائد واحد، يفرض سيطرته على الرحلة بأكملها. أما المؤشرات والأهداف فهما "يمبنه ويُسراه" بكل تأكيد!. لذا فإنه غالباً ما يضع أهدافه ومحطاته الشخصية فى خانة الضروريات التى تبيح بدورها كل المحظورات للقائد الأوحد، ثم تُقدمها في صورة (ممنوعات صغيرة ومختلفة) إلى الجمهور العام. ربما نحتاج فيما بعد لعدد (3سائق) في كل منصب قيادي مصرى لتفادي السيطرة الفردية وقمع أصوات الركاب في الشوارع!!


(3)

صرخة في المقعد الخلفى (ماذا يحدث؟!)، التفت اليها برأس محنية وملتصقة بسقف الميكروباص، لم أجد شيئاً يستدعي الصراخ سوي لفت الإنتباه. لكنني وجدتُ كهلاً يوجه حديثاً جهورياً إلى شاب وفتاة فى أواخر العشرينيات تقريباً ويقول ما نصُهُ الآتى: "شكلكوا بتحبوا بعض. انا بقولكم متتجوزوش، خليكوا كل واحد في بيت أبوه يمكن تلاقوا لقمة تاكلوها. أصل لو اتجوزتوا وخلفتوا عيال لا هتعرفوا تعيشوا ولا تعيشوهم! سامحوني يا ولاد، لكن البلد دي خلاص معادش ينفع فيها جواز ولا عيشة!!" اديك شايف السواق الحرامي، اهو قسم المشوار نصين وضاعفلنا الأجرة! طيب دي مش سرقة؟! معلش هو لسه الظابط مدفعه 200ج في الموقف لكن احنا ذنبنا ايه؟!! هو ميعرفش انى مش لوحدي. التفت وأشار إلى شاباً يُشبهه ويجلس خلفه تماماً وهو يضع سماعات الأذن، ثم قال: "أنا معايا (الكلب الوِلف) ده كمان، ابنى وهدفعله، ماهو زيكوا لا عارف يشتغل ولا يصرف علي نفسه في الحال اللي بقينا فيه. ربنا يسترها علي جيلكم ده كله. وييجي بعد كدة يقولى "يا بابا أنا عايز اتجوز"... روحوا اتنيلوا علي عينكم فى زمنكم المهبب.


ليست هناك تعليقات