ثيودورا: الحب خلف كواليس الكتابة | دفتر الغائب

يبحث الناس عما ينقصهم بالإشارة اليه، فيخبئ العازفون مشاعرهم في الموسيقى، ويصور الرسامون أحاسيسهم على ورق أرق من الواقع الذي يعيشونه، أما أنا فأكتب أملاً في العلاج أو بحثاً عن (حشيشة) تساعدني على المرور بسلام، حروف تضم أفكاري المحترقة، أو جملة تختزل الحب المفقود وتسخر من العنف المسيطر، سطراً يسقط من عقلي على الورق فيترك مكاناً لسطورٍ أخرى تصرخ في الخلفية.

لست كاتباً يا عزيزي، أنا ساحر انقلب عليه سحر الكتب فأصبح مهووساً بالحكايات، وتجمعت عليه كل لعنات النساء فأصبح هشاً كأسطورة منفية، لذا فاعذرني إن خذلك الطريق إلى كواليس مسرح الكتابة الحقيقية؛ حيث يصادفك هنا الكثير من الجنون.

ثيودورا: الحب خلف كواليس الكتابة | دفتر الغائب

بالطبع لا أذكر متى كتبت أولى حروفي، وأظن أنني ولدت نصف مجنون، فأنصاف المجانين يعشقون الكتابة على الجدران. في السادسة من عمري تقريباً كتبت اسمي على ظهر الفراش، ثم بدأت في وضع الأسهم حوله والدوائر، مرّت الأيام وبلغت الحادية عشر من العمر وأنا احتفل بكتابة اسمي بالخط العريض –باستخدام الدهان-على جدار المنزل من الخارج! قرأت بعد وقت طويل أن ما كنت أفعله في طفولتي ما هو إلا من علامات ضعف الشخصية، لكنني لم أصل تحديداً إلى سبب الضعف حتى الآن، كما أنني لم أعرف أيضاً سر كتابتي لرقم هاتف بنت الجيران بخط أرفع، أو لماذا كنت مصرّاً على كتابة أسماء الشخصيات الكرتونية على باب الغرفة رغم إفراط أمي في لومي بكل الطرق الممكنة وتحفيزي على عدم الكتابة؛ من جائزة الشوكولاتة إلى عقاب الشبشب ومروراً بلعنات "أبو رجل مسلوخة"، كانت الكلمات تهرب مني دون قصد، حروف مجنونة، أدوّن أي شيء لأي سبب في أي وقت وفي كل مكان، رحلة طويلة من "الشخبطة" واستخدام الجدران والورق في تمرير خيالي المخبول بأداة وحيدة لم أعرف غيرها (القلم).

ثيودورا: تلك الحرية التي تصنعها الملائكة

لم أكن لأعرف معنى الحرية دون أن أرى حبيبتي ثيودورا… لا شاعرية أو رومانسية وراء هذا السبب، وإنما حقيقة تقول بأن الملائكة يملكون أجنحة تمنعهم من الوقوع في الأسْر مثلنا، وكانت ثيودورا ملكة عليهم لا ملاكاً بينهم… علّمتني كل المعاني بمرادفاتها هي، فكنت أشعر بالبطولة أحياناً وليس بمجرد الحرية الإنسانية، كنا نطير سوياً في سماء ترسمها بأناملها الرقيقة، فتبدع الأيام وتسطو على الليالي، وتخلق كل التفاصيل.

"لقد وجدت ملاكي صدفة، وصلتني رسالة تحمل قفل صغير مخفي؛ لم أكن أعلم أن تلك الرسالة تحمل شكلاً جديداً من أشكال الحياة… لم تحمل تأثير باندورا الأنثى الشريرة على الأرض، لكنها كانت فراشة صغيرة ناعمة، قادرة على تغيير العالم"

في طريقي إلى المنزل بعد رحلة إلى النيل دامت لساعات، سعيت فيها إلى كتابة الفصل الأخير من رواية تحكي عن منتحر لم ينتحر –ولا تسألني كيف؟ فقد مرّ 5 أعوام دون أن أضع حداً أو إجابة لهذه المهزلة الدرامية-مررت على محل "درينكيز" بوسط البلد لأشتري بيرة تؤنسني في رحلتي مع الأحزان والأستاذ حمادة هلال، وحينها وصلتني الرسالة لتبدأ قصة رومانسية أسطورية بالخطأ، قد يقرأها أحدهم فيظن أنها تحمل خيالاً واسعاً كما باقي الحواديت، لكن هذا ما حدث بالفعل.

كتابات وأشعار خلف الكواليس الثيودورية

سألني كاتب معروف في رده على كتابة -تشبه النثر قليلاً-أرسلتها له على "تويتر" فقال لي معلقاً: (انت بتكتب كدة ليه؟!) لم أعرف سبب استغرابه حينها، وهو كتاباتي بأسلوب طفولي -يشبه الشخبطة على ورقة مقطوعة من نُص كشكول طالب مصري في الإبتدائية- لم أملك الجراءة الكافية لأبيّن له أن ما أكتبه لم يكن سوى انفجار محموم، شكرته على وقته وقررت أن أعيد التفكير في نشر ما أكتبه على الإنترنت. 

طبعاً حين نشرت تلك الكتابات الضالّة قامت ثيودورا بعمل "لايك" في ثوانٍ معدودة، لقد كانت تفعل ذلك دوماً: لا لتتأكد من دعم احتياجي إلى الكتابة فقط، لكن لأنها كانت تعرف باحتلالها لرأسي وكل كواليسي وأوراقي وحكاياتي ما نُشر منها وما لم، كما كانت تصر على إبقاء جهازي التنفسي حياً بالكلمات التي ظنت أنها سبيلي الوحيد إلى تحرير أزماتي بعيداً عن الدخان الذي لا يُجدي حسب رأيها.

قُلتُ لها ذات يوم: عزيزتي أنت واهمة، لست كاتباً ولا شاعراً مخضرم، وإنما أنا مسحور بك، في حالة من الثيودورية الملائكية.

ليست هناك تعليقات